الأربعاء، 9 أكتوبر 2013

التعلم الأيحائي تجارب جورجي لوزناوف البغاري

ينظر الى هذا المنهج التعليمي باعتباره أكثر المداخل غرابة في أطار مايسمى ب (المداخل الأنسانية) humanistic approaches ، وهو منهج عكف التربوي البلغاري جورجي لوزانوف Georgi Lozanov على تطويره في سبعينيات القرن الماضي. وقد صاحبت أنبثاق هذا المنهج التعليمي الجديد مزاعم متطرفة شارك فيها لوزانوف نفسه حيث أعلن أن منهجه سوف يضاعف مقدرة الأستظهار (الحفظ عن ظهر قلب) في التعلّم 25 مرة قياسا بطرق التعليم التقليدية المعروفة ، الأمر الذي جعل هذا التوجه الجديد محط أهتمام كبير من جانب البعض فيما قابله آخرون بسخرية مباشرة! وفي خضم مثل هذا التباين في المواقف يمكن القول أن الطريقة الأيحائية قد جربت حظها في الميدان التعليمي وأنها لم تعد مؤثرة مثلما كان حالها سابقا. مع ذلك مازلنا نلاحظ تواصل بعض جوانب هذا التوجه في الممارسات التعليمية اليومية.
اعتمد هذا التوجه على قوة الأيحاء أثناء عملية التعليم أنطلاقا من مبدأ أن الأيحاء الأيجابي يجعل المتعلم أكثر تقبلا مما يحفز عملية التعلم. ويذهب لوزانوف الى الأعتقاد أن الوضع الذي يكون فيه المتعلم مسترخيا وفي حالة تركيز يمثل الحالة الأمثل لدى التعلم. من هنا تسعى الطريقة الأيحائية الى أستخدام الموسيقى وتهيئة بيئة تسود فيها الراحة والأسترخاء والى أقامة علاقة ودية بين المعلم والطالب تشبه العلاقة القائمة بين الوالد وأبنه بهدف أشاعة مثل هذا الجو المريح وكذلك تعزيز الأيحاء الأيجابي. وتعتبر الموسيقى ، على وجه الخصوص ، عاملا اساسيا في تطبيق مثل هذا النهج. وبخلاف الطرق والتوجهات الأخرى ، لاتوجد ثمة نظرية لغوية واضحة محددة تتعلق بالطريقة الأيحائية ، كما لايتوفر نظام واضح المعالم يتم بموجبه طرح المواد اللغوية.
وقد تضمنت الصيغة الأصلية للطريقة الأيحائية وفق منظور لوزانوف ألأستعانة بالحوارات الموسّعة التي ربما تمتد لصفحات عديدة تصاحبها قوائم بالمفردات اللغوية وكذلك ملاحظات تتعلق بالقضايا النحوية. ويقوم المعلم في العادة بقراءة تلك الحوارات بصوت عال للطلبة بمصاحبة الموسيقى ، حيث تستعين أكثر تلك القراءات رسمية ، والمعروفة ب (القراءة الموسيقية الأحتفالية) concert reading ، بمقطوعة من الموسيقى الكلاسيكية ذائعة الصيت مثل أحدى سمفونيات بيتهوفن. ولاينبغي أن تشكل الموسيقى خلفية فحسب أثناء عملية التعلم وفق المنهج الأيحائي ، أنما ينبغي أن تكون مرتكزا لعملية القراءة فيما يشكل صوت المعلم ذاته لحنا مصاحبا للموسيقى. لذا يمكن النظر الى مثل هذه الموسيقى بأعتبارها حدثا يشيع السرور في النفس في وقت يجد المتعلمون أنفسهم أحرارا للتركيز على الموسيقى أو النص الذي يدرسونه أو كليهما. أضف الى ذلك لابد من المبالغة في أيقاع القراءة والتنغيم الذي يصاحبها ليتوائما مع الأيقاع الموسيقي.
أما النوع الثاني من القراءة ، وهو أقل رسمية ، فيميل الى أستخدام مقطوعة موسيقية رقيقة ذات أثارة اقل مثل الموسيقى الباروكية بحيث يكون دورها أقل تاثيرا. وفي كلا النمطين من القراءةينبغي أن يجلس الدارسون في كراسي وثيرة ذات ذراعين وليس مقاعد دراسية عادية على سبيل المثال ، وسط بيئة محفزة بشكل مناسب من حيث التهوية والأضاءة. وفي أعقاب قراءة تلك الحوارات الطويلة بمصاحبة الموسيقى يعمدالمعلم الى أستخدام تلك الحوارات في الأعمال اللغوية التقليدية. ومن المتوقع ، من الناحية النظرية ، أن يستوعب المتعلمون تلك الحوارات المطولة اثناء عملية القراءة وذلك بسبب مايشعرون به من ارتخاء وتقبّل ناهيك عن الأيحاء الأيجابي الذي تخلقه الموسيقى.
أما مزاعم النجاح المبالغ بها المتعلقة بهذا النهج فلا تحظى الا بالقليل من الأدلة حيث تذهب أكثر أنواع النقد حدة للطريقة الأيحائية الى أن الكثير من الناس يعتبرون الموسيقى الكلاسيكية مثيرة للأعصاب أكثر منها محفزة للتعليم ؛ وبخصوص طول الحوارات والأفتقار الى نظرية لغوية متماسكة فأمران ربما يؤديان الى أرباك المتعلم لاتحفيزه ، فيما يتوقع أن تجد معظم المؤسسات التربوية في عملية توفير الكراسي المريحة ذات الذراعين وخلق بيئة مناسبة للتعليم عبئا ماليا على ميزانياتها. ثم أن سعي المعلم لقراءة حوارات مطولة بصوت عال ، مع أيقاع وتنغيم مبالغ فيهما بمصاحبة بيتهوفن أو موزارت ، ربما يثير هزء الكثير من الناس وسخريتهم!
أن ماقيل عن هذا النهج التعليمي لايحول دون أستخدام بعض عناصره ودمجها في الطرق التوليفية eclectic approaches المستخدمة في تدريس اللغات في وقتنا الحاضر. أما استخدام الموسيقى ، أن كانت خلفية لعملية التعليم أو مصاحبة لبعض النشاطات ، فأمر محفز ومثير للأعصاب ، كما أن الأهتمام بعوامل مثل الأضاءة والأثاث ليس بالأمر السيء بالطبع ، ثم أن للحوارات من يحتاجها في التعليم. ولربما يكون من أهم الأفكار المطروحة خلق الظروف المناسبة التي يكون فيها المتعلمون يقظين ومستعدين لتلقي المعلومات ، الأمر الذي يترك أثرا أيجابيا على الحافز. وسواء تم خلق مثل تلك الظروف من خلال الموسيقى الكلاسيكية أو بقراءة الحوارات فأن الأمر يظل مفتوحا أمام طرح أسئلة عديدة ، علما أن الطريقة الأيحائية هذه أثارت بعض الأسئلة المثيرة المتعلقة بكل من التعلم والذاكرة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق